أنظر إليك كثيرا، وكثيرا يا عالية تعني إني أمعن النظر وأدقق. أفكر إن لو أبلغني أحدهم منذ عشر سنوات مثلا إني سأكون أم لفتاة لكنت ضحكت ثم أشحت بوجهي بعيدا. لطالما تخيلت إني لن أكون أما، لن أحمل نطفة أحدهم لخلل، ولكنك جئت بمعجزة ما.
لست أم جيدة في معظم الأوقات، أهيم في توحدي الذي صار يلازمني منذ سنوات، لا أعرف كيف الخروج. أصحو لأجدك تحدثيني عن أشياء لا أعرفها، يأتيني صوتك من نفق طويل ويعلو تدريجيا حتى يصل لأذاني. تشرحين كيف ضربتِ الوحش الذي طالما أرق نومك، تشرحين كيف واجهتيه بقوة بعد تناولك كل التفاح المقطع في طبقك الأصفر الصغير. أخبرك إن الوحش أصبح صديق وإنه لديه طفل جميل مثلك إسمه نبيل وإنه لم يعد يأت ليلا لأن نبيل ينام في حضنه ويطلب منه يحكي له الحكايات. ثم أصبح نبيل صديق أيضا ونحكي له وعنه الحكايات قبل النوم.
لا أعرف ماذا أحكِ لكِ بعد كل هذا الصمت. أحاول أن أفتح أبواب الحديث معكِ وأوضح لكِ كل شيء أعرفه، ولكني الآن لم أعد أعرف الكثير، كلما كبرنا يا عالية، كلما تلاشى اليقين.. ما اليقين والثقة إلا طيش شباب، إلا بالونة حمراء تغريك بالإقتناء ولكنها سرعان ما تفرقع في وجوهنا محدثة جلبة.
في تلك الأيام يتهاوى كل شيء، ولم أعد أتحدث بصيغة التأكيد، لم أعد أفتي :) وستعرفين إني لم أخلو منه سوى قليلا. لم يكن هذا خطأي كما سيقصون عليك، إنها لعنة البحث عن الإجابات. فأنا أكره الأسئلة المعلقة التي تبقى كالغبار في الهواء، فأفتش سريعا عن إجابة، عن احتمالات محتملة للإجابات. لم يكن عقلي يتحمل هذا التيه، ولكني الآن أرحب به، وأترك الأسئلة في الهواء، أتركها تطير بحرية في هواء الغرفة. مؤخرا عقدت عدة أسئلة بخيوط بلاستيكية وربطتها بأناقة في نجفتي المودرن الحبيبة. وعندما صحوت أنتِ، سألتِ ببراءة، من فعل هذا يا ماما، فأخبرتك إنه الزمن وإننا لا نملك من الأمر شيئا! ولكنك لا تكفِ عن طرح الأسئلة، وأنا لم أعد أملك الإجابات.
أنتِ الآن على وشك الرابعة، وهذا يفرحك كثيرا. وتخبرينِ طوال الوقت إنك خلاص كبرتِ وتستطيعي فعل أي شيء. أرحب بهذا كثيرا وأعاملك كطفلة كبيرة بالفعل، أحاول جاهدة ألا أفرض سيطرتي للنهاية وأن أبسط يدي لكِ بكل ما تحبينه. لا أعرف كيف سأتركك ترثين كل هذا الإرث ولا كيف سأعينك على التحديات. على هذه الأرض يا عالية، عليك أبدا ألا تستسلمي، عليك أن تفسحي المجال وتعرفي أن لا حدود للاختيارات. وأن لا تختاري الأسهل أبدا.