.

.

Thursday, January 23, 2014

حلم بكيت بعده

كان أبي حزينا، واقفا في سكون وظهره للحائط. اقتربت منه بحذر وأنا أشعر بثقل سؤالي عن أحواله. لم نعتاد على مثل تلك الأمور، فنحن دوما نكتفي فحسب بأن كلانا يعلم أن الآخر بخير وكفى، بدون عواطف زائدة.
ولكني تغلبت على ترددي وسألته عن حزنه، فقال بإستنكار وعتاب إنه حزين لأني لم أرى وردته الذي زرعها. سخرت في سري من وردته تلك التي لا يتحدث عن سواها في الأيام الأخيرة، إلا أني جاريته برقة وأخبرته عن رغبتي في رؤيتها.
شعرت بالفرحة تسري في قسمات وجهه وفشلت رزانته في إخفائها. وأدركت أني كنت أهم شخص لديه في تلك اللحظة.
أحضر عود أخضر طويل، كان مثل شجرة صغيرة تشبه عود الشبت وعلى جانبها ورد صغير للغاية لم يزهر بعد. كنت مبتهجة ومندهشة من تلك المشاعر التي سرت بيننا فجأة بعد كل هذا العمر الطويل.
وسألته بعد أن تذكرت للتو إننا زرعنا معا منذ سنوات طويلة ورد كان يعيش لأسبوع فقط ثم يموت، هل هذا ما زرعناه من قبل؟ فأجاب نعم، إنه هو ثم رحل. خرج من الشرفة بهدوء وتركني بمفردي. نظرت للشجرة الصغيرة التي صارت ضخمة وطويلة جدا فجأة حتى إنها لامست السحاب بأطرافها.
وقد تفتحت الأزهار المتراصة على جانبيها وبدأت الأمطار في السقوط. كان كل شيء رائق بشدة وامتزجت حبات المطر بموسيقى كونية تشبه السيمفونيات، لم أعرف مصدرها ولكنها كانت تنبعث من كل مكان.
كان أحدهم بجانبي ولكني لم أتبين ملامحه جيدا، كنت منشغلة تماما بالشجرة وأخذت ألوح بها في السماء وأداعب المطر وأنا أراهن على أن قوته لن تثني الغصن أو تمزق اوراقه الوافرة التي لا تزال تشبه الشبت.
وما إن انتهى المطر، حتى توقفت الموسيقى الكونية عن العزف. ورفعت يدي أحيي أوركسترا السماء وأنا ممتنة. وأنظر للشجرة التي زرعها أبي وترعرعت بين كفوفي، ولكني لم أعد أراه في أي مكان.

No comments:

Post a Comment